رحيل.


مات والدي.

لم أحسب حساب هذا اليوم أبداً. لطالما تمنيت بيني وبين نفسي موته، لكني كنت أستغفر فور تفكيري بالموضوع. لم أقصد ذلك أبداً. كل ما كان بداخلي هو مشاعر عتب، وغضب، وانتظاري لمراضاته على كل تلك السنين التي عشتها وأنا يتيمة الأب معنوياً.

ذهب أبي دون أن أدرك، خطفه الدهر مني أول مرة قبل ١٢ عاماً، وخطفه مني الآن مرة أخرى.

كنت أظن أن تجربة اليتم لن تكون غريبة علي، لكني كنت مخطئة، هذا اليتم كان مختلفاً. أشعر بثقله على أكتافي وأعجز عن حمله. أشعر وكأني وقعت في هاوية لا قاع لها، التهمني ظلامها و وقوعي هذا لا نهاية له.

لم أتمكن من إطلاق العنان لدموعي، رأيته مرتان، مرة بالمشرحة ومرة بالمقبرة. استمررت بالتحديق في عيناه المغمضتين دون أي تعبير. أذكر اني كنت أحب عيناه جداً، دائماً ما كنت أقول له “بابا ليش لابس عدسات خضر شالحركات؟”

أغمضوا عين والدي وأخذوه مني. حرموني منه طوال سنيني التي مضت. لأول مرة في حياتي تصعب علي دموعي، انا التي كان يطلع علي مسمى ام دميعة. لا أحد يفهم. صعب جداً أن أبكي على والدي، أن تجبروني على الجلوس في صدر المجلس لتتم تعزيتي، وان يمسح على رأسي كل من يراني.

لا زال قلبي يتنافض، لا زالت رعشة يدي تزورني باليوم الواحد من مرة كلما تذكرتك بعينك المغمضة للأبد. كيف أقتنع برحيل من قضيت عمري بانتظار عودته؟


Leave a Reply

%d bloggers like this: