موت الفتى الوديع


في الرابع من اغسطس قبل سنوات كنت اتابع احداث  انفجار مرفأ بيروت و قلبي يعتصر الماً لمن فقد في هذا الحادث المشؤم حتى اتى ذلك الخبر المفجع بأن (م) توفي اثر رصاصة طائشه اصابة عنقة عصر ذلك اليوم، الفتى الوديع مات ؟شعرت بالدماء تتجمد في عروقي من هول الصدمة و بدأت اطرح الاسئلة الواحد تلوى الاخر متى وكيف و اين و من المتسبب و لكن لا مجيب فشرعت في البكاء حتى ظننت اني اكاد افقد عقلي اثر هذا الخبر ولكن يبدو اني لم افقد عقلي لوفاة ذلك الشاب الوديع الذي لم 25 عاما و الذي اكاد لا اعرف عنه سوى ما يعرفه بقية الناس ذلك الفتى البشوش و الاخ اللطيف و الابن البار مات ! يا له من مصاب جلل بدأت اذرف الدموع عندما تخيلت ما سيفعله هذا الخبر في ابيه و اخوته ثم خيم علي رعب شديد اكاد اجزم ان مثل هذا الشعور  لم يمر علي قط قبل ذلك اليوم و تمنيت ان هذا الخبر كابوس خبيث سأستيقظ منه بعد عدة دقائق و لكنه لم يكن ، كانت من اسوء الليالي كانت ليلة رماديه معتمه قضيناها في  البكاء عليه و على والديه و ماسيحصل لهم عند معرفة هذا الخبر ابنهم الشاب الذي كانوا يتحدثون في تجهيزات زفافه توفي اليوم و لم يروه منذ مده طويله كيف لا احزن و انا اتخيل التعاسة المقبلة على هذه الاسره ، لا اعلم كيف مرت تلك الليلة و لا اعلم كيف غلبني النعاس و نمت في ذلك اليوم و انا ارتجف رعباً من الموت الذي خطف ذلك الفتى على حين غرة ، وبعد عدة ساعات استيقظت و علمت ان ما حدث بالامس حقيقة لايمكن نكرانها لقد فقد العالم بذرة من بذور الخير و اصبح اشد قسوه و اكثر شراً من ما كان عليه بالامس فنهضت و ارتديت ملابسي و ذهبت لأعزي والديه و تمنيت اني لم اذهب يا لها من وجوها شاحبه و اذكر اني لم ارى وجوهاً اشد بؤساً و حزناً من تلك الوجوه و لكن كيف لهم ان لا يحزنوا و قد تلقوا للتو خبر وفاة قرة اعينهم و فلذة اكبادهم ذلك الفتى الرحيم ، بكيت بشدة عندما امسكت بيد والده محاولة بذلك مواساته و التخفيف عنه ببعض العبارات التي تقال عادة في مثل هذه المواقف و ولكني فشلت عندما رأيته يبكي بحرقة و الم و يعتلي وجهة الخوف والصدمه و القليل من الاحساس بالذنب فقد كان يقسو عليه احيانا كأي اب و  اكاد اجزم اني لم ارى وجهاً بذلك الشحوب كما وجهه ثم ذهبت لاعزي والدته تلك المرأة الصابرة والتي لم تذرف دمعة واحدة منذ علمها بهذا الخبر بل شرعت تصلي له و تدعوا الله ان يغفر له خطاياة و لا اظن ان له ذنوب او خطايا فقد كان اطهر من الماء وذهبت لاعزي اخوته كانت الكبرى كمن نزل عليه صاعقة من السماء فتهدمت اركانه و تزلزل ،وجه خالي من اية تعابير حتى كدنا نظن جنت او صّمت من الصدمه و كيف لا تجن و تأن بعد ان كان لقائها بأخيها بعد هذه المده الطويله من الفراق هو اللقاء الاخير ظلت واجمه لبعض ساعات مذهولة و مشتتة حتى توافد الناس على تعزيتها فبدأت بالبكاء و بدأ جسدها بالارتجاف كأن حمى المت بها  و ظلت على هذا الحال حتي نامت من شدة الغم و الحزن ثم رجعت الى المنزل هرباً من ذلك اليوم العصيب و من ذلك المشهد المؤلم و ما ان استقريت في غرفتي حتى شعرت بجدران الغرفه تضيق من حولي محاولة ابتلاعي و كأن الموت لا يبعد عني سوى خطوات معدودة فقمت من مضجعي في محاولة للهرب لا اعلم وقتها من ماذا اهرب و لكني شرعت بالركض حتى هويت بين يدي والدي طالبة منه ان ينقذني و ان يحميني من هذه الجدران التي تريد ان تسحقني وتخنقني و ان يخرجني من ذلك البيت  فبدا والدي يحدثني محاولاً اشعاري ان ما امر به به ما هو الا رد فعل طبيعي لما ممررت به ولكني لم اكن استمع اظن اني لم اسمع حرفا من ما قال والدي في ذلك اليوم ،الضجيج الذي كان يسكن عقلي في ذلك اليوم غيب اي صوتا اخر و ابقى صوت الموت وحده و يا له من صوت بشع  و استمر والدي في الجلوس بجانبي حتى زال هذا الصوت

مرت اعوام و لم انسى تفاصيل ذلك اليوم و لن انسى (م) من دعائي فاللهم ارحمه و تجاوز عنه فانت ارحم الرحمين


Leave a Reply

%d bloggers like this: